بسم الله الرحمن الرحيم.. ((التربية والدروس القرآنية))
قال تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر) القمر – 17
وقال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) الإسراء - 9
القرآن هو حبل الله المتين , والهادي إلى الصراط المستقيم والمتضمن للتربية , والتعليم , وفيه من الجوانب المتعددة الكثيرة ما هو جدير بالدراسة والبحث الثمين وذلك لاستخراج بعض ما فيه من الكنوز العلمية.
والتوجيهات الإرشادية لعلاج الأمراض النفسية , مع الملاحظة ما يمكن فيه من توسيع مدارك أذهان الحفاظ لتلقي العلوم المختلفة , وذلك من أسباب التميز الذي اتسم به طلاب المدارس الملتحقين بالحلقات القرآنية.
وهذا مما يجعل مسئولية القائمين على حلقات تحفيظ القرآن الكريم مسئولية عظيمة , ويتطلب منهم تضافر الجهود , وأن يكون لهم برنامج خاص ومنهجية متميزة يتميزون بها عن غيرهم , وسمة يتسمون بها لكونهم سخروا أنفسهم لخدمة القرآن الكريم , وأهله الذين أختصهم الله به من بين عباده تكريما لهم , وتحفيزا للآخرين من المسلمين الذين يبتغون فضلا من الله ورضوانا بان يدخلهم في هذه الأحصلية العظيمة (أهل الله وخاصته) , والخيرية المنوه عنها في الحديث الشريف (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) .
ولاشك أن هذه الخيرية تكون لمن خدم القرآن الكريم وأهله بينة خالصة , وهمة عالية , وطموحات مدروسة متأنية يمكن تحقيقها حسب الممارسات الميدانية والخبرات السابقية , واستشارة أهل الاختصاص من خلال الأنشطة المتنوعة في إعطاء الدروس القرآنية والدورات التجويدية.
وهذه الأنشطة تنوعت حسب الأغراض والشرائع المستهدفة بغية تطوير وتحسبن مستوياتها المختلفة وغرس الأخلاق الحميدة والتأدب الآداب القرآنية ليتم التعامل معها مع جميع الإنسانية ترجمة لما جاء أن (الدين المعاملة) .
وفي هذا الصدد يكون من اللازم على القائمين في هذا المجال أن يقفوا قليلا وقفة تأمل وتدبر سائلين أنفسهم عما قدموه ويقدمونه هل كان بنية خالصة لله تعالى؟ أم كان لأغراض دنيوية حادث بها النفس الأمارة عن جادة الطريق , وسوء الحال؟ فالله وحده المطلع على ما في القلوب.
ماذا أيضا عن تعاملهم مع أبناء المسلمين هل أدوا حقهم؟ وما هي التوجيهات التربوية والنصائح الاجتماعية الموجهة إلى هذه الفئة المنتسبة للحلقات القرآنية؟
وهل أخذت حقها كما ينبغي لتحصينها من الانحرافات المختلفة المعاصرة؟ أم أنها لم تأخذ سوى بعض الدروس القرآنية المجودة عن مضامينها من الأحكام الشرعية , والتوجيهات التربوية , وغرس الأخلاق الفاضلة؟
تتضح الإجابة على بعض هذه التساؤلات عند النظر إلى بعض الطلبة الذين أتموا حفظ القرآن الكريم أو حفظوا بعض أجزائه إذ نجدهم بعد تخرجهم من حلقات التحفيظ يسلكون مسالك غير مسالك القرآن الكريم من عدم الأدب.
واستعمال السجائر وغير ذلك من السلوكيات التي قد تكون سبب في التحاقهم ببعض المنحرفين فيزج بهم في السجون مع أولئك الذين لم يتلقوا درسا في حلقات القرآن الكريم ولم يحظوا بعناية تربوية , ولا توجيه يوجههم ويبصرهم بما ينبغي أن يكونوا عليه.
فالقاسم المشترك بين متلقي دروس القرآن الكريم وغير الملتقي لها هو عدم التربية والتوجيه.
وبهذا يتضح أن عنصر التوجيه والرعاية التربوية من الأمور الأساسية في حياة جميع البشرية.
ومن هنا يأتي السؤال من المسئول عن الانحراف بين هذه الفئة المستهدفة وعدم وجود الثمرة المطلوبة لها من تلك الدروس؟
المسئولية هنا لا تكون على عاتق القائمين على برنامج دروس القرآن الكريم من مدرسين ومشرفين وإداريين فحسب بل يشترك معهم أولياء الأمور فهم جميعا اغفلوا جانب التربية والتوجيه.
أو لم يعطوه حقه كما ينبغي وكرسوا جهودهم في إعطاء بعض الدروس القرآنية دون ان يتنبهوا إلى ضرورة تعزيز ذلك بالنصح والإرشاد والتوجيه إلى ما في الآيات القرآنية من المضامين الاجتماعية والآداب الأخلاقية في ذلك كله ينال العبد جزيل الثواب في الآخرة , قال تعالى:
(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعامـ 153.
إن من المهم في هذا الأمر القدوة الحسنة قولاً وعملاً لأنها أقوى في التأثير والإقناع من الكلمة , وإن كان للكلمة الطيبة وقع في النفوس وعمق في الوجدان لذلك لا بد من التركيز على التوجيه التربوي بالحكمة والموعظة الحسنة.
لما يترتب على ذلك من الأخلاق الحميدة والتي يتعودها الناشئ الذي تربى في المدرسة القرآنية , وسار على نهجها في الفكر والتدبر في الآيات الكونية لتكون رادعا له وزاجرا عن كل ما لا يرضاه خالق البرية , وعندئذ يكون متبعا للأوامر الإلهية آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر متصفا بما اتصفت به الأمة الإسلامية في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمرانـ 110.
أي أنهم خير الأمم , وأنفع الناس للناس ولهذا قال: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) (1)
ورغم غياب هذا الجانب التربوي والتوجيه الإرشادي ومدى ضرورة أهمية , وجعله من أولويات الأمور فإن للقائمين على دروس حلقات القرآن الكريم جهودا طيبة مباركة لا يقلل من شأنها إذ كان لها الأثر الكبير على كثير من الشباب خلاف ما ذكرناه سابقا فكانوا يتسمون بالأخلاق الفاضلة , يقومون بإحياء ليالي رمضان المبارك بصلاة التراويح , كما أثروا المسابقات القرآنية بالنجاح المتميز حفظاً وتجويداً .
وكل ذلك من فضل الله تعالى عليهم , وتوفيقه لهم , ثم بالجهود المبذولة من قبل المدرسين الأكفاء الذين قدموا ما بوسعهم , ولم يبخلوا على ابناء المسلمين , بما عندهم من العلم , فكانت الثمار يانعة والبهجة على وجوه أولياء الأمور بالفرحة معبرة.
وهذا مما يجعل تنمية الجانب العلمي والمعرفي والتربوي في إعطاء الدروس بالحلقات القرآنية أمر له أهمية لا تقل عن أهمية الجوانب التعليمية الأخرى , ومما يساعد على ذلك:
1ـ اختيار المدرس الكفئ في المادة العلمية , والصفات الشخصية , والسلوكيات الأخلاقية.
2ـ القدرة على التوجيه التربوي.
3ـ مراعاة الفوارق بين الطلاب من حيث الأعمار ,والمستويات , والقدرات الذهنية , والجسدية عند إعطاء الدروس القرآنية.
4ـ المحافظة على ما حفظ من الدروس السابقة.
5ـ التعاون البناء المستمر بين أولياء الأمور والمدرسين بالحلقات القرآنية.
6ـ تهيئة الجو المناسب للمدرس وطلابه.
7ـ التشجيع المستمر من طلاب الحلقات القرآنية بغية تثبيت الحفظ , وترغيب الطلاب , وشحذ هممهم للالتحاق بحلقات القرآن الكريم , وذلك بإعطائهم جوائز يحصل بها التنافس الشريف بين الطلاب , وأن يكون للمدرسين حظ من تلك الجوائز نوعاً من التعبئة النفسية والروحية بغية رفع مستويات الطلاب لرفع معنويات مدرسيهم.
8ـ يضاف إلى ما سبق دور الإدارة الرائدة وطموحاتها المستقبلية وأفكارها النيرة من أجل تعليم , وتنوير وتثقف أبناء المسلمين ثقافة إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة وتعليم مأخوذة ينابيعها الأصيلة ألا وهي القرآن الكريم والسنة النبوية بذلك يكون غرس الأخلاق الحميدة الفاضلة التي ينبغي أن يتخلق أهل القرآن الكريم وهذا الخلق العظيم والمنهج القويم لا يكون إلا بسلامة المعتقد ونقاء الفكر ونهج المنهجية الوسطية التي نوه بها القرآن للأمة الإسلامية قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرةـ 143.
كل ذلك يأتي نتيجة المتابعة الدورية والتوجيه التربوي الذي يتسم بالحكمة وحب الخير لجميع الإنسانية وأن يكون الهدف من التوجيه تربية النشئ على الأخلاق الفاضلة والآداب الحميدة والعادات التي لا تتعارض مع سماحة الشريعة الإسلامية حتى تكون الأجيال القادمة أجيال مهيأة تهييئاً إسلامياً .
الأمر الذي يجعلها تتعامل مع معطيات العصر وفق الشريعة الإسلامية الغراء ويميز موقفها بالحزم والروية تطبيقا لما تلاقت من الأوامر الربانية من خلال الآيات القرآنية وثمرة للتوجيه التربوي وهذا لا يتحقق إلا بتوفيق الله عز وجل , ثم بالنصح وإخلاص النية والممارسة الفاعلة في ميدان العمل و استشارة أهل الاختصاص كل فيما يخصه لتكتمل جميع العناصر التي تتطلبها العميلة التعليمية والتربوية معا.
ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
(1) نختصر تفسير ابن كثير ج الأول دار القرآن الكريم بيروت ص 308.
الكاتب: د. محمد الأمين يوسف الإدريسي
المصدر: موقع جوامع الكلم